المشي أثناء النوم: الأسباب، التأثيرات، وطرق العلاج
يُعدُّ المشي أثناء النوم أحد الظواهر الغامضة التي تمثل تحديًا للعديد من الأشخاص الذين يعانون منها وكذلك لمن حولهم. يُطلق على هذه الحالة اسم “السومنبوليزم” أو “الاستيقاظ أثناء النوم”، وهي تعتبر اضطرابًا ناتجًا عن النوم العميق أو المراحل التي يمر بها الشخص خلال النوم، حيث يقوم الشخص المشي أو حتى أداء بعض الأنشطة التي تحتاج إلى وعي جزئي أثناء نومه. هذا السلوك قد يكون غير إرادي ويمثل مصدر قلق للعديد من الأفراد المصابين به، ويحتاج إلى فحص دقيق لفهم أسبابه وتقديم العلاج المناسب.
ما هو المشي أثناء النوم؟
المشي أثناء النوم هو اضطراب يحدث أثناء مراحل النوم العميق أو مرحلة حركة العين غير السريعة (NREM) والتي عادةً ما تكون في النصف الأول من الليل. في هذه المرحلة، يكون الشخص في حالة نوم عميق، حيث يكون العقل غير نشط إلى حد كبير، لكن الجسم قد يستمر في بعض الأنشطة الحركية، مثل المشي أو التحدث أثناء النوم. يحدث المشي أثناء النوم عندما يقوم الشخص بمغادرة السرير والتحرك في أنحاء الغرفة أو حتى المنزل وهو نائم، في بعض الأحيان قد يقوم بمهام معقدة مثل فتح الأبواب أو القيادة، دون أن يكون مدركًا لما يحدث.
من الجدير بالذكر أن المشي أثناء النوم لا يُعتبر سلوكًا طبيعيًا بالنسبة لجميع الأشخاص. في الواقع، هو اضطراب نوم نادر نسبيًا، لكنه يمكن أن يظهر في أي مرحلة من مراحل الحياة، ويتطور في بعض الأحيان مع تقدم العمر.
أسباب المشي أثناء النوم
رغم أن المشي أثناء النوم قد يبدو غير مبرر، إلا أن هناك عدة عوامل قد تساهم في حدوثه. تتنوع هذه العوامل بين العوامل الوراثية والبيئية، وقد تشمل الأسباب التالية:
1. العوامل الوراثية
يُظهر العديد من الأبحاث العلمية أن المشي أثناء النوم قد يكون له صلة بالعوامل الوراثية. قد يعاني أفراد العائلة الواحدة من نفس المشكلة، مما يدل على أن الجينات قد تلعب دورًا في احتمالية ظهور هذه الحالة. الأشخاص الذين لديهم أقارب مصابين بالسومنبوليزم أكثر عرضة لتطوير نفس الاضطراب.
2. الضغط النفسي
التوتر والقلق من أبرز العوامل التي يمكن أن تحفز حدوث المشي أثناء النوم. الأشخاص الذين يعانون من مستويات عالية من الضغط النفسي قد يكونون أكثر عرضة للاضطرابات المتعلقة بالنوم، بما في ذلك المشي أثناء النوم. كما أن القلق العاطفي أو التغيرات المفاجئة في الحياة يمكن أن تؤدي إلى ظهور الأعراض.
3. قلة النوم
النوم الغير كافي أو اضطرابات النوم الأخرى قد تؤدي إلى مشكلات في مراحل النوم العميق، مما يسهم في تزايد حالات المشي أثناء النوم. قلة النوم أو النوم المتقطع يؤثر على قدرة الدماغ على الحفاظ على التوازن بين النوم العميق واليقظة.
4. الإجهاد البدني والعقلي
التعب المفرط بسبب الجهد البدني أو العقلي، خاصة إذا كان مصحوبًا بنمط حياة غير منتظم، يمكن أن يكون من العوامل التي تسهم في حدوث هذا الاضطراب. الأشخاص الذين يعانون من الإجهاد المزمن أو أولئك الذين يعانون من مشاكل صحية قد يواجهون صعوبة في الدخول في دورة نوم طبيعية، مما يؤدي إلى مشاكل مثل المشي أثناء النوم.
5. الأدوية والتسمم
بعض الأدوية، وخاصة الأدوية المنومة، قد تؤدي إلى زيادة خطر حدوث المشي أثناء النوم. كما أن المواد المهدئة أو الكحول قد تكون لها تأثيرات مشابهة، مما يسبب خللاً في استقرار النوم. بالإضافة إلى ذلك، التسمم أو تناول جرعات عالية من الأدوية أو المواد السامة قد يؤدي إلى السلوكيات غير المألوفة أثناء النوم.
6. الاضطرابات العصبية
بعض الاضطرابات العصبية قد تكون مرتبطة بظهور هذه الحالة. على سبيل المثال، الأفراد الذين يعانون من مرض باركنسون أو داء الزهايمر قد يواجهون مشاكل في النوم قد تؤدي إلى حدوث السومنبوليزم. كما أن اضطرابات مثل توقف التنفس أثناء النوم قد تساهم في ظهور السلوكيات غير المعتادة أثناء النوم.
أنواع السلوكيات المرتبطة بالمشي أثناء النوم
لا يقتصر المشي أثناء النوم على المشي فقط، بل قد يتضمن مجموعة من السلوكيات المختلفة التي قد تؤدي إلى ضرر. وتشمل هذه السلوكيات:
-
التجول في المنزل: حيث يقوم الشخص بالمشي داخل المنزل أو حتى في الخارج دون أن يكون واعيًا.
-
التحدث أثناء النوم: في بعض الحالات، قد يبدأ الشخص في التحدث أثناء نومه، وقد تكون هذه الأحاديث غير منطقية أو محيرة.
-
فتح الأبواب والنوافذ: في حالات نادرة، قد يقوم الشخص المشي أثناء النوم بفتح الأبواب أو النوافذ، مما يزيد من خطر الحوادث.
-
الأنشطة المعقدة: قد يتخذ الشخص المشي أثناء النوم خطوات غير مألوفة أو معقدة، مثل قيادة السيارة أو تحضير الطعام، دون أن يدرك العواقب المحتملة لهذه الأنشطة.
التأثيرات النفسية والجسدية للمشي أثناء النوم
على الرغم من أن المشي أثناء النوم قد لا يبدو خطيرًا في بعض الحالات، إلا أن له تأثيرات سلبية قد تؤثر على الشخص والمحيطين به. تتنوع التأثيرات النفسية والجسدية وتشمل ما يلي:
1. الخطر الجسدي
نظرًا لأن الشخص الذي يمشي أثناء النوم يكون في حالة غير واعية تمامًا، فإن الخطر الأكبر يكمن في الحوادث الجسدية. قد يصطدم الشخص بالأثاث أو يسقط على الدرجات، مما يؤدي إلى إصابات جسدية. كما أن تحركاته غير المحسوبة قد تسبب له أضرارًا أو إصابات.
2. المشاكل النفسية
يمكن أن يؤدي المشي أثناء النوم إلى مشاعر القلق أو الإحراج لدى المصاب به، حيث قد يشعر بعدم السيطرة على سلوكياته. هذه المشاعر يمكن أن تؤثر على علاقات الشخص مع من حوله، خاصة إذا حدث المشي أثناء النوم أمام الآخرين.
3. الاضطرابات في النوم
قد يكون المشي أثناء النوم أحد الأسباب التي تؤدي إلى قلة النوم أو اضطراباته، حيث قد يسبب الاستيقاظ المتكرر خلال الليل مشاكل صحية إضافية مثل التعب المستمر، والصداع، وانخفاض الأداء في الحياة اليومية.
طرق التشخيص والعلاج
لتشخيص المشي أثناء النوم، يجب على المريض إجراء تقييم شامل لدى طبيب مختص في اضطرابات النوم. في بعض الحالات، قد يتطلب الأمر مراقبة النوم باستخدام أجهزة خاصة أو الفحص عبر تقنية “مراقبة النوم” أو ما يُعرف بـ “دراسة النوم”. يمكن أن يساعد هذا التشخيص في تحديد السبب الرئيسي للاضطراب وتقديم الحلول المناسبة.
1. العلاج السلوكي
العلاج السلوكي المعرفي يُعد من العلاجات الفعالة للحد من المشي أثناء النوم. يتضمن العلاج السلوكي تحديد المثيرات التي تؤدي إلى اضطراب النوم والعمل على تجنبها. كما أن تدريب الشخص على تحسين عادات النوم والاسترخاء قبل النوم قد يساعد بشكل كبير.
2. العلاج بالأدوية
في بعض الحالات، قد يتطلب الأمر تناول أدوية تساعد على تحسين جودة النوم وتقليل التوتر أو القلق. الأدوية مثل المهدئات والمنومات قد تستخدم في الحالات الشديدة تحت إشراف طبي.
3. تعديل نمط الحياة
ممارسة بعض العادات الصحية يمكن أن تساعد في الحد من المشي أثناء النوم. يشمل ذلك تحسين عادات النوم، مثل تحديد وقت ثابت للنوم، تجنب تناول الكافيين أو المنبهات قبل النوم، والابتعاد عن الأنشطة المثيرة للعقل قبل النوم.
4. الحماية الجسدية
في حالة كانت الإصابة الجسدية مصدر قلق، يجب اتخاذ تدابير وقائية لحماية الشخص المشي أثناء النوم. من بين هذه التدابير استخدام أسوار حول السرير أو تركيب أجهزة تحذير تعمل عندما يبدأ الشخص في التحرك أثناء النوم.
الخاتمة
يُعد المشي أثناء النوم من الحالات التي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على حياة الشخص المصاب بها. ورغم أنه لا يُعتبر أمرًا شائعًا، إلا أن له تأثيرات نفسية وجسدية يجب التعامل معها بحذر. من خلال فهم الأسباب المحتملة لهذه الحالة وتقديم العلاج المناسب، يمكن تقليل الأضرار التي قد تنجم عنها.
